كل ابن لغة يفتخر بلغته ويعتبرها المعبّر عم ضارته والمستودع لذاكرته السياسية والفكرية والأدبية، و اللغة العربية تحتل مكانة كبيرة عند العرب والمسلمين لما لها من علاقة بالعقيدة التي جاء بها القرآن الكريم، حيث حمل القرآن رسالة الإسلام باللغة العربية؛ لكون النبي عليه الصلاة والسلام عربيًّا، وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ”}.
فهذه الآية القرآنية دلّت دلالة كبيرة على أن الرسالة السماوية تكون بلغة الرسول الذي سيبلغ قومه والناس الذين ستلقون الدعوة باللسان المشترك بينه وبين قومه، أي باللغة التي تيحدّثها هو وقومه.
وقد مرّت هذه اللغة بعصور شهدت فيها نهضة وصلت الآفاق وخاصة بعد عصر الفتح، ثم ما لبثت أن انكفأت بعد أن انتشر الأدب الشعبي على حسابه في مرحلة ما أطلق عليه بالمصطلحات الأدبية مصطلح (عصر الدول المتتابعة).
ثم انتقل الحال مع مرحلة النهضة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث انبرى عدد من الأدباء واللغويين للتجديد في مجال اللغة في جميع مجالاتها وفنونها من الشعر إلى الأدب إلى النحو ثم إلى الحركة المعجمية الجديدة التي اتبعت طرقا جديدة في تدوين الكلمات.
ولا نشك أن نبع اللغة العربية الفصيحة كان في قريش التي ينتسب إليها النبي عليه الصلاة والسلام، وفي ارض الحجاز تحديدًا، ولا يخفى علينا أن أسواقا كانت تعقد في قريش للمبارزة اللغوية، كما أنذ كتب الأدب والتاريخ تحدّثنا عن احتفالات العرب عندما ينبغ فيهم شاعر أو خطيب.
ولكن هل مازال للغة العربية هذا البريق في دول المنبع اللغوي أي في منطقة الجزيرة العربية، هذا ماس نتحدث عنه في هذا المقال الذي يتوافق مع اليوم العالمي للغة العربية الذي احتل الترند في كثير من منصات وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي والعالم أجميع ومنها دول الخليج طبعا، ولكن كيف هو حال اللغة العربية في الخليج اليوم، وهل مازال لها المكانة التي كانت في سابق العهد، كل هذه التساؤلات سنجيب عنها في مقال اليوم الذي سنبدؤه بلمحة موجزة عن الاحتفالية العالمية باللغة العربية التي احتلن الترند
لمحة عن اليوم العالمي للغة العربية:
بعد أن أصبحت اللغة العربية من ضمن اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة وذلك سنة 1973 وذلك بعد محاولات عدة بدات منذ 1960، قررت اليونسكو تحديد الثامن عشر من شهر ديسمبر وذلك سنة 2012، واختير هذا اليوم أي 18 ديسمبر لأنه يوافق اليوم الذي اعتمدت فيه العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة.
وقد جرى العرف أن تقيم العديد من المؤسسات في العالم احتفالات بهذه اللغة تتضمن محاضرات ونشاطات ثقافية وفنية منوعة، وقد اختير”العربية والتواصل الحضاري” عنوانا لاحتفالية 22021 باليوم العالمي للغة العربية.
1- واقع اللغة العربية في دول الخليج:
دول الخليج لا تعد منفصلة عن واقع العربية في معظم الدول العربية، حيث إنها ليست محكية ولا مستعملة في المعاملات اليومية، وإنما يقتصر استعمالها على الخطابات الرسمية، والإعلام الرسمي، والكتب العملية، والأدبية، ولا تدخل في معظم التخصصات الجامعية؛ إذ إن تخصصات العلوم البحتة تدرَّس باللغات الأجنبية وعلى رأسها الإنكليزية.
وتقام مسابقات ومناسبات عديدة في دول الخليج احتفالا باللغة العربية الفصحى، ولكن مع ذلك تبقى تعاني من قلة الاستعمال، ومن جهل الجيل الجديد في استعمالها، وهذا كما قلنا آنفا ينطبق على جميع الدول العربية.
2- اللغات المنافسة للعربية في دول الخليج:
لم تشذّ الدول الخليجية عن واقع سيطرة الإنكليزية على باقي اللغات الأجنبية المستعملة في الحياة والمعاملات اليومية وفي تعليم العلوم البحتة، والغريب أنه لا يطلب من متكلمي اللغات الأجنبية تعلم العربية، كما يحصل في باقي الدول التي يقصدها المهاجرون واللاجئون، حيث نرى أن معظم دول العالم تطلب من قاصديها تعلم لغاتها حتى يتمكنوا من الحصول على العمل والاندماج في المجتمع، ولكن للأسف هذا لا يتم في دول الخليج، ولا في باقي الدول العربية، وكم كانت العربية ستستفيد من مثل هكذا خطوة، طبعا مع عدم إلغاء معرفة اللغة الأجنبية المعتمدة في دول الخليج.
الزائر لبلاد الخليج يجد أن اللغة التي يمكنها التعامل بها هي الإنكليزية حتى إنها تتفوق على العربية في بعض الأماكن التي يكون العاملين فيها من الشخصيات الأجنبية ولا سيما الهندية والبنغالية الجنسيتان الأكثر انتشارا في دول الخليج، كما أن الهندية والبنغالية لهما وجود لا بأس به في معظم دول الخليج؛ وذلك كما قلنا قبل قليل لكثافة عدد السكان العاملين في الخليج من هاتين الجنسيتين.
3- وسائل حماية اللغة العربية في الخليج:
رغم أن دول الخليج تصدر تشريعات متتابعة لحماية اللغة العربية وتسعى من خلالها للحفاظ عليها ، إلا أننا ما زلنا نرى استعهجانا من كثيرين من زوار دول الخليج الذين يفاجؤون بأن الللغة المستعملة هناك هي الإنكليزية، وهذا تسمعه بشكل خاصٍّ من أولئك الذين يتعلمون العربية، ولا يتقنون الإنكليزية، حيث يشعرون بالاستغراب من أن اللغة المستعملة في الحياة اليومية في معظمها إما عامية البلاد العربية بالنسبة للوافدين العرب، أو الإنكليزية بين العرب والجاليات الأخرى من القاطنين في دول الخليج.
وتسعى العديد من دول الخليج إلى إيجاد مؤسسات تعنى باللغة العربية ، مثل: مركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية في السعودية، ومنها من لجأت إلى سن تشريعات للحفاظ على اللغة العربية من ذلك مثلا قرار مجلس الوزراء السعودي سنة 2018 الذي نصّ على أن:”تعتمد اللغة العربية لغة رسمية في المؤتمر أو الندوة، وعلى المشاركين المتحدثين باللغة العربية التقيد باستخدامها، ويجوز استخدام لغات أخرى في المؤتمرات والندوات الفنية والتخصصية التي تستلزم ذلك، على أن يتولى مؤهلون سعوديون – بقدر الإمكان – الترجمة الفورية في تلك المؤتمرات والندوات” قانون حماية اللغة العربية في قطر الذي يقضي بإلزام لوزارات والمؤسسات والهيئات باستعمال اللغة العربية في اجتماعاتها، وصياغة تشريعات الدولة بها، وعلى أن تكون العربية لغة المحادثات والمفاوضات والمراسلات مع الحكومات والمنظمات والمؤتمرات. كما تكون العربية لغة التعليم في المؤسسات التعليمية العامة، وتدريسها مادة أساسية في مناهج المؤسسات التعليمية الخاصة.
4- توقعات واستقراء لمآل العربية في دول الخليج:
لا يمكننا تنبؤ المصير الذي ستؤول إليه اللغة العربية بشكل دقيق، حيث إننا لا نستطيع أن نقول القول الفصل في هذا الشأن؛ إذ إن العربية ونقصد بها الفصيحة المعاصرة، مازال لها حضور في كثير من وسائل الإعلام الخليجية الرسمية وشبه الرسمية، والخاصة، ولكن يا ترى ومع الإعلام الجديد وسيطرة اللهجات عليها، هل سيبقى لعربيتنا الفصيحة مكان وسط سيطرة اللهجات المحكية على معظمها، ومع جيل تراه لا يدرك أبسط معاني الكلمات الفصيحةن، وهنا لا نعمم على الجيل الجديد بأكمله، ولكن يمكننا القول إن عددا كبيرا من الجيل الجديد، لا يستطيع فهم كلمات فصيحة بسيطة، وهذا يدركه المتابع لليوميات اليوتيوبرية، حيث نسمع سخرية على أي كلمة فصيحة من كثير من شباب هذه الوسائل الذي يُطلق عليهم مصطلح (المؤثّرين)، وهذه الظاهرة ليست محصورة في دول الخليج وحسب، بل يمكن أن نعممها على معظم أرجاء الوطن العربي.